فصل: سورة الحج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (97- 99):

{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)}
{واقترب الوعد الحق} يعني: القيامة، والواو زائدة؛ لأنَّ {اقترب} جواب {حتى}. {فإذا هي شاخصة} ذاهبةٌ لا تكاد تطرف من هول ذلك اليوم. يقولون: {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا} في الدُّنيا عن هذا اليوم {بل كنا ظالمين} بالشِّرك وتكذيب الرُّسل.
{إنكم} أيُّها المشركون {وما تعبدون من دون الله} يعني: الأصنام {حصب جهنم} وقودها {أنتم لها واردون} فيها داخلون.
{لو كان هؤلاء} الأصنام {آلهة} على الحقيقة ما دخلوا النَّار {وكلٌّ} من العابدين والمعبودين في النَّار {خالدون}.

.تفسير الآيات (101- 103):

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)}
{إنَّ الذين سبقت لهم منا الحسنى} السَّعادة والرَّحمة {أولئك عنها} عن النَّار {مبعدون}.
{لا يسمعون حسيسها} صوتها.
{لا يحزنهم الفزع الأكبر} يعني: الإِطباق على النَّار. وقيل: ذبح الموت بمرأىً من الفريقين {وتتلقاهم الملائكة} تستقبلهم، فيقولون لهم: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} للثَّواب ودخول الجنَّة.

.تفسير الآيات (104- 107):

{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وهو مَلَكٌ يطوي كتب بني آدم. وقيل: السِّجلُّ: الصَّحيفة، والمعنى: كطيِّ السِّجل على ما فيه من المكتوب. {كما بدأنا أوَّل خلق نعيده} كما خلقناكم ابتداءً حُفاةً عُراةً غُرلاً، كذلك نُعيدكم يوم القيامة {وعداً علينا} أَيْ: وعدناه وعداً {إنا كنَّا فاعلين} يعني: الإِعادة والبعث.
{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قيل: في الكتب المنزلة بعد التَّوراة. وقيل: أراد بالذِّكر اللَّوح المحفوظ {أنَّ الأرض} يعني: أرض الجنَّة {يرثها عبادي الصالحون} وقيل: أرض الدُّنيا تصير للمؤمنين من أُمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
{إنَّ في هذا} القرآن {لبلاغاً} لوصولاً إلى البغية {لقوم عابدين} مُطيعين لله تعالى.
{وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين} للبَرِّ والفاجر، فمن أطاعه عُجِّلت له الرَّحمة، ومَنْ عصاه وكذَّبه لم يلحقه العذاب في الدُّنيا، كما لحق الأمم المكذِّبة.

.تفسير الآية رقم (109):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
{فإن تولوا} عن الإسلام {فقل آذنتكم على سواءٍ} أعلمتكم بما يوحى إليَّ على سواءٍ لتستووا في ذلك، يريد: لم أُظهر لبعضكم شيئاً كتمته عن غيره. {وإن أدري} ما أعلم {أقريب أم بعيد ما توعدون} يعني: القيامة.

.تفسير الآيات (111- 112):

{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
{وإن أدري لعله} لعلَّ تأخير العذاب عنكم {فتنة} اختبارٌ لكم {ومتاعٌ إلى حين} إلى حين الموت.
{قال رب احكم بالحق} اقض بيني وبين أهل مكَّة بالحقِّ، أُمر أن يقول كما قالت الرُّسل قبله من قولهم: {ربَّنا افتحْ بيننا وبينَ قومِنا بالحقِّ}. {وربنا} أَيْ: وقل ربُّنا {الرحمن المستعان على ما تصفون} من كذبكم وباطلكم.

.سورة الحج:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)}
{يا أيها الناس} يا أهل مكَّة {اتقوا ربَّكم} أطيعوه {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} وهي زلزلةٌ يكون بعدها طلوع الشَّمس من مغربها.
{يوم ترونها} يعني: الزَّلزلة {تذهل كلُّ مرضعة عمَّأ أرضعت} تترك كلُّ امرأةٍ تُرضع ولدها الرَّضيع اشتغالاً بنفسها وخوفاً {وتَضَعُ كلُّ ذات حملٍ حملها} تُسقط ولدها من هول ذلك اليوم {وترى الناس سكارى} من شدَّة الخوف {وما هم بسكارى} من الشَّراب {ولكنَّ عذاب الله شديد} فهم يخافونه.
{ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم} نزلت في النَّضر بن الحارث وجماعةٍ من قريش كانوا يُنكرون البعث، ويقولون: القرآن أساطير القرآن أساطير الأولين، ويجادلون النبيَّ صلى الله عليه وسلم {ويتبع} في جداله ذلك {كلَّ شيطان مريد} متمرِّدٍ عاتٍ.

.تفسير الآيات (4- 6):

{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
{كُتب عليه} قُضي على الشَّيطان {أنَّه مَنْ تولاَّه} اتَّبعه {فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} يدعوه إلى النَّار بما يُزيِّن له من الباطل.
{يا أيها الناس} يعني: كفار مكَّة {إن كنتم في ريب من البعث} شكٍّ من الإِعادة {فإنا خلقناكم} خلقنا أباكم الذي أصل البشر {من تراب ثمَّ} خلقنا ذريَّته {من نطفة ثمَّ من علقة} وهي الدَّم الجامد {ثمَّ من مضغة} وهي لحمةٌ قليلةٌ قدر ما يُمضغ {مُخَلَّقَةٍ} مصوَّرةٍ تامَّة الخلق {وغير مخلقة} وهي ما تمجُّه الأرحام دماً، يعني: السِّقط {لنبيِّن لكم} كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم {ونقرُّ في الأرحام ما نشاء} ننزل فيها ما لا يكون سقطاً {إلى أجل مسمى} إلى وقت خروجه {ثم نخرجكم} من بطون الأمهات {طفلاً} صغاراً {ثمَّ لتبلغوا أَشدكم} عقولكم ونهاية قوَّتكم {ومنكم من يُتوفَّى} يموت قبل بلوغ الأشدِّ {ومنكم مَنْ يردُّ إلى أرذل العمر} وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل شيئاً، وهو قوله: {لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً} ثمَّ ذكر دلالةً أخرى على البعث فقال: {وترى الأرض هامدة} جافَّةً ذات ترابٍ {فإذا أنزلنا عليها الماء} المطر {اهتزت} تحرَّكت بالنَّبات {وربت} زادت {وأنبتت من كلِّ زوج بهيج} من كلِّ صنفٍ حسنٍ من النَّبات.
{ذلك} الذي تقدَّم ذكره من اختلاف أحوال خلق الإِنسان، وإحياء الأرض بالمطر {بأنَّ الله هو الحق} الدَّائم الثَّابت الموجود {وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شَئ قَدِير}.

.تفسير الآيات (8- 12):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}
{ومنَ الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في أبي جهلٍ {ولا هدىً} ليس معه من ربِّه رشادٌ ولا بيانٌ {ولا كتابٍ} له نورٌ.
{ثاني عطفه} لاوي عنقه تكبُّراً {ليضل} الناس عن طاعة الله سبحانه باتِّباع محمَّد عليه السَّلام {له في الدنيا خزي} يعني: القتل ببدرٍ.
{ذلك بما قدَّمت يداك} هذا العذاب بما كسبْتَ {وإنَّ الله ليس بظلام للعبيد} لا يعاقب بغير جرمٍ.
{ومن الناس مَن يعبد الله على حرف} على جانبٍ لا يدخل فيه دخول مُتمكِّنٍ {فإن أصابه خير} خِصبٌ وكثرةُ مالٍ {اطمأنَّ به} في الدِّين بذلك الخصب {وإن أصابته فتنة} اختبارٌ بجدبٍ وقلَّة مالٍ {انقلب على وجهه} رجع عن دينه إلى الكفر.
{يدعو من دون الله ما لا يضرُّه} إن عصاه {ولا ينفعه} إن أطاعه {ذلك هو الضلال البعيد} الذَّهاب عن الحقِّ.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
{يدعو لمَنْ ضرُّه أقرب من نفعه} ضرره بعبادته أقرب من نفعه، ولا نفع عنده، والعرب تقول لما لا يكون: هو بعيدٌ، والمعنى في هذا أنَّه يضرُّ ولا ينفع {لبئس المولى} الناصر {ولبئس العشير} الصَّاحب والخليط.

.تفسير الآية رقم (15):

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
{مَنْ كان يظن أن لن ينصره الله} لن ينصر الله محمَّداً صلى الله عليه وسلم حتى يُظهره على الدِّين كلِّه فليمت غيظاً، وهو تفسير قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء} أَيْ: فليشدد حبلاً في سقفه {ثمَّ ليقطع} أَيْ: ليَمُدَّ الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً {فلينظر هل يُذْهِبَنَّ كيده ما يغيظ} غيظه.

.تفسير الآيات (17- 18):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
{إنَّ الله يفصل بينهم يوم القيامة} أَيْ: يحكم ويقضي، بأن يدخل المؤمنين الجنَّة، وغيرهم من هؤلاء الفرق النَّار. {إنَّ الله على كلِّ شيء شهيد} يريد: إنَّ اللَّهَ عالمٌ بما في قلوبهم.
{ألم تر أنَّ الله يسجد له} يذلُّ له، وينقاد له {من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حقَّ عليه العذاب} وذلك أنَّ كلَّ شيءٍ منقادٌ لله عزَّ وجلَّ على ما خلقه، وعلى ما رزقه، وعلى ما أصحَّه وعلى ما أسقمه، فالبَرُّ والفاجر، والمؤمن والكافر في هذا سواءٌ {ومَنْ يهن الله} يذلَّه بالكفر {فما له من مكرم} أحدٌ يكرمه {إنَّ الله يفعل ما يشاء} يُهين من يشاء بالكفر، ويكرم مَنْ يشاء بالإِيمان.

.تفسير الآيات (19- 24):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
{هذا خصمان} يعني: المؤمنين والكافرين {اختصموا في ربهم} في دينه {فالذين كفروا قطعت لهم ثيابٌ من نار} يلبسون مقطَّعات النِّيران {ويصبُّ من فوق رؤوسهم الحميم} ماءٌ حارٌّ، لو سقطت منه نقطٌ على جبال الدُّنيا أذابتها.
{يصهر} يُذاب {به} بذلك الماء {ما في بطونهم} من الأمعاء {والجلود} وتنشوي جلودهم فتسَّاقط.
{ولهم مقامع} سياطٌ {من حديد}.
{كلما أرادوا أن يخرجوا منها} من جهنَّم {من غمّ} يصيبهم {أعيدوا فيها} ردُّوا إليها بالمقامع، {و} تقول لهم الخزنة: {ذوقوا عذاب الحريق} النَّار، وقال في الخصم الذين هم المؤمنون: {إنَّ الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات...} الآية، وهي مفسَّرةٌ في سورة الكهف.
{وهدوا} أُرشدوا في الدُّنيا {إلى الطيب من القول} وهو شهادة أن لا إله إلا الله {وهدوا إلى صراط الحميد} دين اللَّهِ المحمود في أفعاله.

.تفسير الآيات (25- 32):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}
{إنَّ الذين كفروا ويصدُّون عن سبيل الله} يمنعون عن طاعة الله تعالى. {والمسجد الحرام} يمنعون المؤمنين عنه {الذي جعلناه للناس} خلقناه وبنيناه للنَّاس كلِّهم لن نخصَّ به بعضاً دون بعض {سواءً العاكف فيه والباد} سواءٌ في تعظيم حرمته وقضاء النُّسك به الحاضر، والذي يأتيه من البلاد، فليس أهل مكَّة بأحقَّ به من النَّازع إليه {ومَن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ} أَيْ: إلحاداً بظلمٍ، وهو أن يميل إلى الظُّلم، ومعناه: صيد حمامة وقطع شجرة، ودخوله غير مُحرمٍ، وجميع المعاصي؛ لأنَّ السَّيئات تُضاعف بمكَّة كما تُضاعف الحسنات.
{وإذْ بؤَّأنا لإبراهيم مكان البيت} بيَّنا له أين يُبنى {أن لا تشرك} يعني: وأمرناه أن لا تشرك {بي شيئاً وطهر بيتي} مفسَّرٌ في سورة البقرة.
{وأذن في الناس} نادِ فيهم {بالحج يأتوك رجالاً} مُشاةً على أرجلهم، {و} ركباناً {على كلّ ضامر} وهو البعير المهزول {يأتين من كلِّ فج عميق} طريق بعيدٍ.
{ليشهدوا} ليحضروا {منافع لهم} من أمر الدُّنيا والآخرة {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} يعني: التَّسمية على ما ينحر في يوم النَّحر وأيَّامِ التَّشريق {فكلوا منها} أمر إباحةٍ، وكان أهل الجاهليَّة لا يأكلون من نَسائكم، فأمر المسلمون أن يأكلوا {وأطعموا البائس الفقير} الشَّديد الفقر.
{ثم ليقضوا تفثهم} يعني: ما يخرجون به من الإحرام، وهو أخذ الشَّارب، وتقليم الظُّفر، وحلق العانة، ولبس الثَّوب {وليوفوا نذورهم} يعني: ما نذروه من برٍّ وهدي في أيَّام الحجِّ {وليطوفوا بالبيت العتيق} القديم. وقيل: المُعتق من أن يتسلَّط عليه جبَّار. يعني: الكعبة.
{ذلك} أَيْ: الأمر ذلك الذي ذكرت {ومن يعظم حرمات الله} فرائض الله وسننه. {وأحلت لكم الأنعام} أن تأكلوها {إلاَّ ما يتلى عليكم} في قوله: {حُرِّمت عليكم الميتة...} الآية. ومعنى هذا النَّهي تحريمُ ما حرَّمه أهل الجاهليَّة من البحيرة والسَّائبة وغير ذلك {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} يعني: عبادتها {واجتنبوا قول الزور} يعني: الشِّرك بالله.
{حنفاء لله} مسلمين عادلين عن كلِّ دينٍ سواه. {ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ} سقط {من السماء} فاختطفته الطَّير من الهواء، أو ألقته الرِّيح في {مكان سحيق} بعيدٍ. يعني: إنَّ مَنْ أشرك فقد هلك وبَعُدَ عن الحقِّ.
{ذلك ومن يعظم شعائر الله} يستسمن البُدن {فإنَّ ذلك من} علامات التَّقوى.